السبت، نوفمبر 28، 2015

الفصل الاول من رؤية "نموذج الادارة المجتمعي" الاسترشادي.

يبداء هذا الباب بتقديم ملخص لبعض المفاهيم الاساسية التي يجب الاتفاق عليها قبل عرض الرؤية لتكون مرجعية للجدل والنقاش  
الباب الاول

العلم

الفصل الاول

مفهوم العلم والعلمية

مقدمة:
بقلم / اسامه قراعه
مبدئيا, لا يجوز ان ندعي "العلم" او نستشهد به, دون ان نحدد المقصود به ونعيد تعريفه, ونحدد مصادره الصحيحة, لنستطيع التفرقة بين ما هو حقيقة علمية وقانون علمي (لا يمكن التحايل عليهم او مخالفتهم دون توقع نتائج هذه المخالفة) وبين ما هو اراء شخصية لخبراء قد تضل خطأ وعمدا, ويجب مراجعتهم, فقانون الجاذبية الارضية مثلا "حقيقة علمية" لا يمكن مخالفتها, ولا يملك اي "عالم" او "خبير" الادعاء بما يخالفها, بدون برهان والا كان مصير تجربته الفشل, وكذا كل الحقائق العلمية التي يقدمها لنا "العلم وفروعه" في كافة مجالات الحياة, وفيما يلي تبسيط لمفهوم "العلم" .

س: ما هو "العلم"؟

 العلم: هو مجموعة من"الحقائق" و"القوانبن" و"النظريات", التي تصف وتفسر سلوك "ظاهرة" معينة, بهدف توقعها والسيطرة عليها للتحكم في اثرها السلبية وايجابية.

البحث العلمي: هو مجموعة القواعد والاجراءات المنطقية والادوات القياسية, يستخدمها الباحث لاثبات "فروضه", لايجاد "نظرية" تصف وتفسر سلوك "ظاهرة" معينة.

الظاهرة العلمية: هي كل اثر ملاحظ باي وسيلة ادراك, ومرتبط بحقيقة ثابتة ما, ولم يعرف سببه او سلوكه, سواء كان سلبي او ايجابي.

النظرية: هي مجموعة من "الفروض" التي تفسر سلوك ظاهرة معينة, ولا يشترط ان تكون صحيحة, وان ثبتت صحتها وثباتها, اصبحت "قانون علمي".

الفروض: هي التفسير المبدئي لمشكلة ظاهرة معينة, وهي تعبير عن رأي الباحث في النتائح المتوقعة من هدف البحث.

القانون العلمي: هو علاقة دائمة وثابتة الصحة بنسبة 100% في كل زمان ومكان, تربط بين مجموعة من "المتغيرات" التي ترتبط وتفسر سلوك ظاهرة معينة, (القانون العلمي يعامل معاملة "الحقيقة الثابتة", حتي يثبت خطأه).

الحقيقة: هي كل موجود مدرك في ذاته او اثره.

المتغير: هو صفة او خاصية ما, من مكونات الظاهرة, تأخذ اكثر من قيمة بحسب حالتها وعلاقتها المكانية والزمنية من الظاهرة, ومنها "المستقل والتابع والعارض والكمي والنوعي", وتخضع لعمليات قياس الباحث وتحكمه لدراسة سلوك الظاهرة.

اهمية التوصل للقوانين العلمية : اتقاء الاثار السلبية للظواهر العلمية, والتحكم في سلوك الظاهرة لجعلها تحدث في غير زمانها ومكانها, بهدف تحقيق الرفاهية وحسن ادارة الموارد.

س:ما هو تصنيف العلم , واهميته؟

العلم, ما هو الا حقائق وقوانين ومعارف تراكمية, تشمل كل الموضوعات التي يهتم بها الانسان وتساعده في حل مشاكله, لتحقيق رفاهيته وحسن ادارته للموارد المتاحة, شرط اتبعت "منهج علمي بحثي" لتفسيرها, لا يخالف او يتعارض ونتائجه مع "الحقيقة الثابتة".

ونظرا لتعاظم المعارف والقوانين, نتيجة للتطور الانساني الطبيعي, ظهرت الحاجة الانسانية للتخصص, فلم يعد اي انسان قادر علي ادراك كل ما وصلنا اليه من معارف وقوانين, ولذا قسم منهج البحث العلمي هذه المعارف والقوانين الي قسمين, هما اصل كل الفروع التابعة لهما سواء كانت قائمة او مستحدثة , وهما "العلوم التطبيقية" و "العلوم الانسانية".

"العلوم التطبيقية" او "العلوم البحتة", هي تلك العلوم التي تتعلق بالمادة وخصائصها وظواهرها, كالحساب والفيزياء والكيمياء والهندسة والطب والفلك...وغيرها, والتي "متغيرها البحثي" له خصائص لا ترتبط بعقل الانسان, وينتج عنها "قوانين علمية" قياسية, لم ينشأها الانسان.

"العلوم الانسانية" او "العلوم النظرية", هي تلك العلوم التي يكون عقل الانسان احد "متغيراتها البحثية", وتبحث في الظواهر السلوكية الانسانية وتنظيمها, كعلم النفس وفروعه  والادارة وفروعها والمعتقدات الدينية والتاريخ والاثار...وغيرها, وينتج عنها علي "نظريات" و "نماذج" قياسية, انشأها الانسان.

ومن كل اصل من اصول العلم , يتفرع فرع مختص بموضوع ظاهرة عامة, يسمي "بعلم الموضوع" ,ومن ثم يتفرع  هذا الفرع "العلمي" الي فروع اكثر تخصص لمعالجة احد متغيرات الموضوع ومعاملته كظاهرة مستقلة, ويسمي ايضا هذا "الفرع العلمي" باسم هذا الموضوع الفرعي...وهكذا.

والفائدة المحققة من هذا التصنيف, هو ضمان تقيد "القوانين العلمية" و "النظريات" المستخلصة بواسطة اي فرع علمي, بقوانين وحقائق الفرع الاعلي و"الاصل", والتأكد من تكاملهم وعدم تعارضهم, وصولا الي تحقيق مبدأ هام وهو "استحالة تعارض القوانين والنظريات العلمية, مع بعضهم البعض, او مع الحقيقة الثابتة التي نشأ عليها العلم", مهما اختلف الموضوع.

فان حدث واكتشف فرع علمي ما,حالة تناقض مع فرع علمي اعلي او اصل, وجبت دراسته وبحثه ومراجعتة وتصحيحه, قبل اعلان "القانون" او "النظرية" الجديدة او الاعتراف بها, لتبقي الحقيقة العلمية متكاملة بين كل موضوعاتها, تقبل النقد ولا تقبل التناقض, فعلي سبيل المثال لا يجوز لاي فرع علمي فيزيائي, الاعلان عن قانون يخالف قانون الجاذبية الارضية الا بعد نقد قانون الجاذبية وما يتبعه من فروع علمية نشأت اعتماد عليه, وتصحيحهم.

اختلف الاكاديمين علي تصنيف العلوم, واهميته, فمنهم من ينظر للامر, نظرة مقارنة "مادية" بين العلوم, بمعيار شرف وسلطة العلم الاعلي علي الفرع, متغافلين الهدف الرئيسي من التصنيف, وهو ضمان التكامل والتجرد والتنظيم, لتسهيل وضبط مسار البحث العلمي, ونتج عن هذا الاختلاف تصنيفات متعددة لها وجاهتها واعتبارها واستخدامها, الذي لا يتعارض مع ما تقدم من تبسيط. [ملحق أ نموذج لتسمية وتصنيف العلوم].

حتي لا نخلط بين الحقيقة العلمية والقانون العلمي والنظرية:

"العلم" من القضايا الايمانية, فهو لا ينشيئ "حقيقة" ولا يخلق "موجود", وانما قدرة ووظيفة العلم هي ادراك "الموجود وحقيقته", ودراسته وتفسيره واكتشاف خصائصه, وايجاد "قوانين علمية" لتنظيم استخدام هذا الموجود واثره, الاستخدام الامثل لمنفعة الانسان واعمار الارض, باعلي كفاءة واقل تكلفة ووقت ومجهود متاح للعقل البشري وقدرة الانسان, سواء آمن العالم او لم يؤمن.

واصل ما نسميه "حقيقة علمية" هو كل موجود, اوجده المولي عز وجل في هذا الكون المدرك (المشاهد والمحسوس), وكل موجودات الكون تتحرك بقدرة وعلم المولي عز وجل, وفق علاقة ثابتة تربطهم, لتؤدي وظيفتها المحددة التي خلقت لها, في دائرة لا نهائية من التكامل والتناغم والانتظام والثبات, ولا يمكن ان يتعارض او يتناقض سلوك اي "موجود" مع اخر, الا بسبب وحكمة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير الا باذن الله.

انتظام وثبات وتكامل وتناغم موجودات المنظومة الكونية, يعني انتظام وثبات وتكامل وتناغم "الحقائق العلمية".

وبمصطلحتنا ولغتنا الحديثة, يعتبر الكون "منظومة علمية متكاملة", ولهذه المنظومة الكونية سلوك كلي ثابت ومنتظم ولا يتجزأ, ولا تنفصل او تتعارض مكوناته التي لكل منها وظيفة واثر منضبط علي هذا السلوك, ولا يستثني من هذه المكونات سلوك الانسان والعقل البشري (الموجود), وما يملكه من خصائص وقدرات, لا تتضمن القدرة علي تغيير سنة الله في موجودات او مخالفتها. وبالتالي فكل ما ينتجه العقل البشري من معارف وعلوم وادراكات وقوانين ونظريات وتنظيمات في اي موضوع (يوصف بالعلمية), لا يمكن لها ان تخالف او تتعارض مع او تنفصل عن "حقيقة علمية" ارتبطت بها, وادركها الانسان وانشأ عليها "علم" لدراستها و تنظيم استخدامها. وبالتالي ايضا فكل "تنظيم انساني" او "علم" يفترض تعارض وتناقض او مخالفة لاي "حقيقة علمية" اخري او ينكر اثرها, فهو كاذب يفقد صفته العلمية.

وبذلك تكون "الحقيقة العلمية" هي ما اوجدها ونظمها المولي عز وجل بقدرته, وادركها الانسان ووصفها ولا يملك مخالفتها او انكارها او استحداثها او تغيراها, ويكون "القانون العلمي" هو السلوك والاثر والعلاقة التي تحدثها هذه الحقيقة وادركها العقل الانساني ووصفها لتنظيم استخدام الاثر والعلاقة.

س: ماذا عن الشاذ عن القاعدة العلمية:

"القاعدة العلمية" مصطلح يضم في طياته كل ما توصل اليه العلم من حقائق وقوانين و نظريات, لوصف وتحديد سلوك واثر موجود ما, ومن ثم يكون هذا السلوك متوقع من كل الموجودات المثيلة له في اي مكان او زمان, قد يحدث ان يخالف سلوك واثر اي "موجود" لحقيقته وقانونه ونظريته العلمية التي تحدد سلوكه المتوقع بحسب ما توصل اليه علم الانسان, فتعرف هذه الحالة بانها ظاهرة علمية جديدة لم يتناولها العلم بالدراسة من قبل, تستوجب البحث والدراسة للتعرف عليها ووصفها واكتشاف اسبابها.

فاذا تمت دراسة الظاهرة, وثبت ندرتها وعدم انتظامها واستحالة توقعها او السيطرة عليها, ولم تنشيئ علم جديد ولا فرع علمي جديد, سميت "حالة شاذة" عن القاعدة العلمية المتعارف عليها, ولا تهمل علميا ولكن تظل معلقة قيد البحث والدراسة.

وهنا يجب ان نفرق بين ما هو مخالف لحقيقة علمية وما هو مخالف لقانون ونظرية علمية, فالحقيقة العلمية كما اتفقنا هي موجود واثر خلقه المولي عز وجل, ومخالفته لا تحدث الا بقدرة المولي عز وجل, فاذا حدثت لا تسمي "حالة شاذة", ولكنها تسمي "معجزة الاهية" لا نملك دراسة مبرراتها واسبابها, بينما ما وضعناه من قوانين لوصف اثر الحقيقة اذا تمت مخالفته دون سبب ظاهر سمي "حالة شاذة", مخالفة لما وصلنا له من علم, يستوجب البحث والدراسة عن السبب.

فمثلا من الحقائق العلمية, ان يولد الطفل من ذكر وانثي, اما القوانين العلمية المرتبطة بالموضوع فهي تبحث في كيفية حدوث هذا الاثر للتحكم في سلوكه وليس بهدف تغييره او نفيه, فاذا حدث ما يخالف هذه الحقيقة العلمية (كما حدث مع سيدنا عيسي عليه السلام وسيدتنا مريم ابنة عمران), فتلك معجزة وليست ظاهرة ولا شذوذ عن القاعدة, وبالتبعية لا يمكن ان ينشاء عليها "علم" يستهدف خلق الانسان بغير اب, بينما اذا حدثت اي مخالفة لقوانين الولادة كأن يولد طفل في شهره السادس او طفلان متلاصقان, تسمي "حالة شاذة" تخضع للدراسة والبحث عن الاسباب.

ومثال اخر, فالجاذبية الارضية حقيقة علمية, وقوانينها تحدد قوتها وخصائصها واتجاهها, فاذا خالف سلوك اي "موجود" حقيقة الجاذبية الارضية وارتفع في الهواء بما يخالف مثيلة من الموجودات (عندما امر المولي عز وجل سيدنا موسي عليه السلام بضرب البحر بالعصا, انشق البحر وصعد الماء لاعلي كالجبل بما يخالف حقيقة الجاذبية الارضية) سميت "معجزة" لانها خالفت حقيقة مدركة ولا يمكن تكرارها بواسطة الانسان ولا تمثل ظاهرة متكررة او منتظمة, ولم تغير من اثر الحقيقة الاصلية او تستبدلها, فلم تهدم علمها.

وبالتالي فكل شاذ عن القاعدة العلمية يعامل معاملة "الظاهرة", فاما يكون "معجزة" اذا خالف حقيقة علمية ولم يغيرها, واما يكون "حالة شاذة" اذا خالف "قانون علمي" او "نظرية علمية" تستوجب الدراسة والبحث, فاذا ثبت انها متكررة واكتشف البحث العلمي اسبابها وقانون التحكم فيها, اصبحت موضوع وفرع من فروع العلم, وبني عليها احكام وان كانت نادرة الحدوث, اما اذا فشل البحث العلمي في وصف الظاهرة للتنبؤ بها والتحكم في سلوكها, اعتبرت "شاذة عن القاعدة الاصلية", ويحترز من اثارها السلبية, ولا يبني عليه "حكم عام". 

س: هل الدين علم؟

سؤال يطرح نفسه, للاجابة علي كل من يدعي ان الدين ليس علم, وينكر اهمية اتباع منهج البحث العلمي في وصفه وتنظيم اثره, وتأكيد صحته واثبات تكاملة, حتي يجد وغيره مدخلا للتشكيك في العقيدة الدينية وتحريفها وافساد حقيقتها وقوانينها ونظرياتها, باضافة وحذف ما يعتقده  ويستهدفه هوي نفسه, بسهولة ويسر, بدون معايير تضبط وتقيد وتكشف "الهوي" و"الخطأ" و"الشذوذ عن القاعدة العامة" الذي يحدثه ابتداعه.

ان الانسان وعلاقته بالعلم علي صنفان, الصنف الاول هو "العالم" المؤمن بماهية العلم ومنهجه وشروطه المجردة عن الغرض قبل الهوي, والصنف الثاني هو "الجاهل" الغير مؤمن بماهية العلم ولا منهجه ولا شروطه المجردة او الذي يظن جهلا انه قادر علي تغليب الغرض وهوي النفس عليه.

العالم يعلم ان كل موجود "مادي او معنوي" يدركه الانسان خاضع لبحث العلم وهدفه وقواعده, لاستخدامه الاستخدام الصحيح الامثل والتحكم في اثره, اما الجاهل فهو من يظن انه قادر علي مخالفة قواعد العلم, والدين موجود سواء كان حقيقة او اعتبره المؤمن به حقيقة, وكونه حقيقه فهو بالنسبة لمن يؤمن علم, وبالنسبة للعلماء الغير مؤمنين فهو ظاهرة تخضع لبحث العلم.

الاجابة مثل هذا السؤال اعتقدها منطقية وبسيطة, فاذا توافرت في العقيدة الدينية شروط العلم, كان علما رغم انف المنكرين والجاهلين, وان لم تتوافر فيه شرط العلم فلا يمكن تصنيفه علم!

فهل العقيدة الدينية موجود حقيقي ام خيال؟ بالتاكيد هي حقيقة موجودة توصيفها هو وجود اله خالق لكل الحقائق الكونية المادي منها والمعنوي, وهناك من يؤمن بوجوده وهناك من ينكر وجوده, وبناء عليه فكل من يؤمن بحقيقة وجود الخالق, يبحث في ماهية هذا الخالق, وطالما وجد البحث اي كان هدفه, فلا مفر من ضرورة اتباع منهج بحث علمي, وبالتالي فالاعتراف بوجود المولي عز وجل حقيقة علمية تتطلب منهج بحث علمي لادراك ماهيتها واستخلاص خصائصها ومنهجها لتحقق رفاهية الانسان وتوافق سلوكه مع مراد الله وسنته في كل خلقه.

هل العقيدة الدينية مادية ام معنوية؟ وهناك من يعترف بالرسل والكتب السماوية, فتضمن عقيدته موجود مادي (حقيقة علمية) ينشأ عليه علم, وهناك من تتضمن عقيدته مكون معنوي لا يمثل حقيقة علمية تنشيئ علم, وهناك من تتضمن عقيدته مكون مادي (حقيقة علمية) يدعم المكون المعنوي الغير مدرك ويتفق معه, وكل ما سبق هو "موجود حقيقي" يمثل "ظاهرة" تستوجب البحث العلمي, لتوصيفه وتحديد اثره لينتفع الانسان به, فاذا تمكنت الدراسة من حل مشكلة الظاهرة المتكررة المنتظمة واوجدت لها قانون علمي يصف علاقتها, تحولت الظاهرة الي علم او فرع علمي او موضوع علمي كما سبق الاشارة اليه, هذا لمن امن بالله , اما من لا يؤمن فاما مؤمن بالعلم او جاهل به, والمؤمن بالعلم سيتبع منهجه ويعترف بالدين كعلم وسيستدل به علي "الحق".

وبصرف النظر عن الاتفاق حول ما اذا كانت العقيدة الدينية حقيقة علمية ام لا, فهل العقيدة الدينية, ظاهرة متكررة؟ نعم, هل تؤثر في سلوك الانسان؟ نعم, هل خاضعة للتعديل والتحكم؟ نعم, هل تتطلب توصيف لخصائصها والتعرف عليها وبرهانها؟ نعم, وكل هذا يعني ان العقيدة الدينية "علم", مشكلته ما يعتقده الناس حول حقيقة الله, ويؤثر علي سلوكهم, فان صلح كان ايجابيا وان فسد كان سلبيا.

بعض المنكرين يصفون العقيدة الدينية, علي انها "معجزة الاهية" لا تتطلب البحث العلمي, ولكنها تعتمد علي دراسة نصوصها وفق ما يمليه العصر, مما يثير سؤال مضاد وماذا لو تم تحريف النص؟ سيكون الرد بان المولي عز وجل حفظ النص من التحريف, ليثير سؤال اخر, وماذا عن العقائد الدينية التي اختفت نصوصها؟ فاين التوراة مثلا؟, فيناقض نفسه ويخص "الاسلام" برؤيته المنكرة, فنرد عليه بان "العلم" و "المنهج العلمي" مجرد وثابت ولا يكيل بمكيالين في نفس القضية, والقضية هنا هي الاجابة علي سؤال [هل العقيدة الدينية علم ام لا؟] فان كانت علم فكل الاديان تخضع لها وفق منهج علمي قبله العقل, واثبته واستخدم ادواته لمعالجة باقي العلوم الاخري.

وبناء عليه فالعقيدة الدينية حقيقة موجودة, ولها علم يهتم بدراسة مشاكلها المادية والمعنوية, وتنظيم البحث فيها, ويتبع مجموعة "العلوم الانسانية" التي تتميز بتطور الخصائص بتطور العقل البشري وتغير حاجاته, وتتفرع الي فروع علمية اخري يعالج كل فرع فيهم موضوع وجانب من جوانب العلم.

س: ما هي مناهج البحث العلمي؟ وهل هي "علم" مستقل؟ وما اهميته؟

مناهج البحث العلمي, علم نشأ علي حقيقة ثابتة وهي وجود "العقل البشري" المنوط به ادراك كل العلوم الاخري, والذي يتضمن قدرة علي ادراك المعلوم وتحليله وربطه بمعلوم غيره واستنتاج معلوم جديدة قبل ادراكه, وبالتالي فظواهر "منطق التفكير العقلي" هي مشكلة هذا العلم, وهدفه هو ايجاد نماذج تفكير منطقية مرتبة, يمكن الاستعانة بها في اكتشاف المجهول العلمي او تصميمه, باعلي كفاءة ممكنة واقل مجهود ووقت وتكلفة, لتحقيق رفاهية الانسان وحسن ادارته لموارده, وبالتالي فهي علم يخدم كل العلوم ويتكامل معها, ولذا وبعد العرض الموجز لتعريفات بعض المصطلحات العلمية للتأكيد علي مفهوم العلم يننتقل الي الفصل الثاني ونستعرض فيه مناهج البحث العلمي كاداة ووسيلة اساسية لبناء وتكوين كل العلوم واكتشاف مجهولها وحل مشاكلها.

الفصل الثاني

مناهج البحث العلمي

يتضمن العنوان ثلاث كلمات, "مناهج" و "البحث" و "العلمي", وقد عرفنا فيما سبق مفهوم العلم (هو مجموعة من"الحقائق" و"القوانبن" و"النظريات", التي تصف وتفسر سلوك "ظاهرة" معينة, بهدف توقعها والسيطرة عليها للتحكم في اثرها السلبية وايجابية) وسنستكمل في هذا الفصل مفهوم المناهج و البحث.

 تعتبر مناهج البحث فرع علمي من موضوعات علم الفلسفة التابع لتصنيف العلوم الانسانية, ولذا فقد اهتم بدراستها الانشائية الفلاسفة دون غيرهم من العلماء المتخصصين في المجالات الاخري الذين اخذ عنهم طرق بحثهم العلمية المتخصصة, لوصفها وتصنيفها وتفسيرها, لتكوين نماذج وطرق بحث علمي متكاملة صالحة لكل الموضوعات والعلوم, يمكن الانتقاء منها بمعايير الهدف البحثي وطبيعته.

ولان موضوع مناهج البحث العلمي علي درجة كبيرة من الاهمية, لاعلاء شأن العقيدة العلمية التي ننشدها لقيادة المستقبل, فلا يجوز اهمالها وعدم الاشارة اليها في مثل هذه الرؤية , الا ان هدف التركيز علي موضوع الرؤية (نموذج الادارة المجتمعية) لا يسمح بتناولها الا بشيئ من التبسيط والتلخيص الذي لا يمكن ان يشمل جميع جوانبها وتاريخ تدرجها البنائي حتي وصلت لما هي عليه اليوم من درجة عالية من التقنين والكفاءة والفاعلية, ولذا سنكتفي هنا بذكر ملخص ما انتهي اليه علماء العصر الحديث في مناهج البحث العلمي وادواتها والاشارة الي بعض المراجع المتخصصة التي يمكن الرجوع اليها والتي تناولتها بتفصيل متخصص لا املك الاضافة له.

قال الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه مناهج البحث العلمي: { تقدم البحث العلمي رهين بالمنهج, ويدور معه وجودا وعدما, دقة وتخلخلا, خصبا وعمقا, صدقا وبطلانا. ومن هنا كان الاهتمام البالغ بتقنين مناهج للبحث العلمي من ايام ارسطو وحتي يوم الناس هذا. ويمكن ان نفسر تطورات العلم والمعرفة العلمية بادوارها المتفاوتة عن طريق بيان دور المنهج العلمي في تحصيلها. فما انتكس العلم الا بسبب النقص في تطبيق المناهج العلمية, او في تحديدها,وما نما وازداد اصالة الا بالدقة في تحديد المناهج وتقرير مبادئها القويمة. ولا خلاف علي هذا بين العلماء الخلص وبين الفلاسفة الباحثين في منطق البحث العلمي. انما ياتي الخلاف في تحديد دور كل فريق في تشييد المناهج العلمية. ومن الواضح انه كما ان معرفة الطب لا تستلزم بالضرورة الصحة, ولا السير بمقتضي القواعد الطبية, فكذلك معرفة مناهج البحث لا تستلزم بالضرورة تحصيل المعرفة العلمية ولا اتباع قواعد المنهج العلمي. فهذا امر, وذاك امر اخر

ولكن المعرفة الواعية بمناهج البحث العلمي تمكن العلماء الباحثين من اتقان البحث وتلافي كثير من الخطوات المتعثرة او التي لا تفيد شيئا.

ومن هنا كانت فائدة بيان مناهج البحث العلمي.

وكتابنا هذا في بيان مناهج البحث التي ينبغي سلوكها في المجموعات الثلاث الكبري من العلوم, وهي: مجموعة العلوم الرياضية, ومجموعة العلوم التجريبية, ومجموعة العلوم التاريخية. والقواعد التي نسوقها هنا قواعد عامة, اي تعم المجموعة كلها دون ان تخص علما منها بعينه. ومن الواضح ان. هناك فروقا نوعية بين المنهج في المجموعة والمنهج في كل علم منها, ولكن البحث في هذه الفروق موضوع المناهج الجزئية وهو ما لم نهدف اليه من هذا الكتاب.

وعسي ان يكون فيه ما يفيد في توجيه البحث العلمي –الذي لم يثمر بعد في العالم العربي ثماره المرجوة- علي النهج السديد.

مايو سنة 1944                                  عبد الرحمن بدوي}


((((تحت المراجعة والاستكمــال))) والله الموفق والمستعان.

ليست هناك تعليقات: