الأربعاء، أكتوبر 28، 2009

رؤية نقدية لاستخدام مصطلح الاستراتيجية

رؤية نقدية لاستخدام مصطلح الاستراتيجية:
بقلم / اسامه قراعة
1. مفهوم : الاستراتيجية :
مفهوم (الاستراتيجية) تم طرحه سابقا وبالتفصيل في العديد من الكتب والمراجع اختص منها ما ذكر بواسطة الدكتور /محمد بن احمد اليماني في موقع منهل الثقافة التربوي الالكتروني ، انصح باعادة قراءته وتأمله ، واقتبس منه المقطع التالي
نقلت كلمة الاستراتيجية من الحضارة اليونانية عن كلمته الأصلية إستراتيجيوس strategos والتى تعنى علم الجنرال، وارتبط مفهومها بشكل صارم بالخطط المستخدمة لإدارة قوى الحرب ووضع الخطط العامة في المعارك.
وقد اختلف فى مفهوم كلمة الاستراتيجية عبر التاريخ وفقا لتطور التقنية العسكرية فى كل العصور كما أنها تختلف بإختلاف المدارس الفكرية والسياسية ، ولهذا يصعب تعريف شامل ومانع لهذه الكلمة
بقية التعريف والموضوع علي الرابط التالي
http://www.manhal.net/articles.php?action=show&id=935
http://www.manhal.net/articles.php?action=show&id=856
2. معايير مصطلح الاستراتيجية:
من التقديم السابق والموضوع المشار الية سابقا ، نري ان مصطلح استراتيجية ارتبط بالمجال العسكري ارتباط وثيق لا يمكن فصله ، كما وان استخدام هذا المصطلح في المجال العسكري ارتبط بمعايير اساسية نحاول استعراضها فيما يلي :
a) مستوي التخطيط والاهداف :
من الناحية العسكرية ينقسم التخطيط الي (تخطيط استراتيجي) يقوم بتحديد اهداف تسمي (الغايات) او اهداف عليا بعيدة المدي او اعلي مستويات الاهداف، وهو مستوي اهداف (القيادة العامة بجميع افرعها وتشكيلاتها) ويطلق عليها الاهداف الاستراتيجية وبناء عليه يتم تخصيص المهام للجيوش الميدانية والتشكيلات لتحقيق هذه الاهداف ، ومن ينتقل التخطيط الي مستوي ( التخطيط التعبوي ) والذي يحدد بدوره اهداف لتحقيق مهمته وتتصف بانها اهداف متوسطة المدي اوالاهداف الفرعية او اهداف التشكيلات والجيوش الميدانية والمناطق ويطلق عليها (الاهداف التعبوية) والتي تترجم بدورها الي مهام تكلف بها الوحدات الميداني ، ومن ثم ينتقل مستوي التخطيط الي (التخطيط التكتيكي) يقوم بتحديد (اهداف تكتيكية) وهي اهداف مباشرة او اهداف صغري اواهداف القريبة او اهداف خاصة بالوحدات الميدانية ومن ثم تحول تلك الاهداف الي مهام تكلف بها كل وحدة صغري علي حدي وفي الغالب تحول هذه الاهداف الي مستوي رابع علي مستوي الفرد والقائد علي الارض وهو ما يسمي (الهدف المباشر) او (الهدف المرئي) والذي يصدر به امر القتال من القائد الي المقاتل علي الارض............. واذا تأملنا هذا التقسيم سنجد ان تسلسل الخطط وتدرجها يتم من اعلي المستوي الاداري او القيادي الي اسفله كما وان هناك فصل بين المستويات يكون ضروري ومحسوم لما له من مميزات تفويض السلطة وتخصيص المهام وتوفير الاعباء الذهنية والتركيز في انجاز وتحقيق المهام وتوفير قنوات الاتصال والسيطرة .........حتي تتحول الخطة الاستراتيجية الي امر قتال من قائد الي جندي (يكفي تدريبة علي تقنيات القتال المختلفة)..... وعلي هذا يجب ان يحتفظ المستوي التخطيطي (الاستراتيجي) بموقعه في قمة الهرم القيادي او الاداري والا تحول الي مستوي اخر تعبوي او تكتيكي او اوامر ميدانية مباشرة .... وهنا لا يطلق عليه مصطلح (استراتيجي). وهذا ما لم يحدث في العلوم العسكرية حتي الان وهي المصدر الرئيسي لاستخدامات هذا المصطلح.
b) وجود تهديدات :
يرتبط مصطلح استراتيجية بوجوب وجود تهديدات ما ، فالاستخدام العسكري او العلوم العسكرية لا تستخدم الا في حالة واحدة فقط وهي وجود تهديدات تجبر المجتمعات علي تكوين الجيوش واستخدام تلك العلوم .... والدليل علي ذلك ان اي تنظيمات اخري غير عسكرية لا تستخدم هذا المصطلح للتخطيط لاعمالها الانها استبدلت هذا المصطلح باخر وهو المنهج او التخطيط الاداري اذا ما كان هناك هدف او مجموعة اهداف تريد تحقيقها ولا توجد تهديدات ومعوقات مباشرة تمنع تحقيق هذا الهدف ، تكون خطة المنظمة عبارة عن منهج ثابت ومباشر في سبيل تحقيق هذا الهدف ، فالمنهج او الخطة الادارية ما هي الا خطوات وخطط ثابتة في سبيل تحقيق هدف محدد ، وايضا يمكن تقسيمه الي مستويات تخطيطية عليا او عامة، ومستوي متوسط او برامج او اداري ، ومستوي تنفيذي ، لا حاجة لها لتكوين استراتيجية.
c) المستوي الاداري :
حيث يلتصق وقد ينحصراستخدامات مصطلح (استراتيجية) في كل ما يعده او يخططة او يتداوله المستوي القيادي او الاداري الاعلي في اي منظمة بشرط ان تكون هي المسؤلة عن تحديد و تحقيق غايات المنظمة ، وهو المعروف بالمستوي الاستراتيجي والذي يشترك فيه فريق عمل مكون من جميع قادة الافرع والتخصصات والانشطة بصرف النظر عن حجمها ودورها في التنظيم.
d) تخصيص مهام وتحديد مسؤليات ومراحل:
فالتخطيط لتحقيق هدف مباشر يتم تحقيقة بواسطة نفس المستوي المخطط لا يتصف بالاستراتيجية ، ولذا فالخطة الاستراتيجية يجب ان ينتج عنها تقسيم للاهداف وتخصيص للمهام وتوزيع للادوار لمستويات المتوسطة والدنيا ، وتبعا لهذه المهام تعد تلك المستويات خطط جديدة ومنفصلة لتحقيقها والتي بمجموع نجاحها يتحقق الهدف الاستراتيجي ، وان لم تتواجد تلك الخطط الدنيا فلا مجال لوصف الخطة بالاستراتيجية لفقدها عنصر تقسيم الادوار والتعاون وبالتالي فقد القدرة علي المناورة.
ومن هذه المعايير نلاحظ ان مصطلح (الاستراتيجية) لا يفضل استخدامه الا اذا ارتبط بخطة يضعها اعلي مستوي اداري بالهيكل التنظيمي للمنظمة وبشرط ارتباط الخطة المباشر بتحقيق غايات او اهداف عامة رئيسية المنظمة وبشرط وجود تهديدات خارجية او قوة تنافسية مما يستوجب معها استخدام اساليب المناورة او الاعتماد علي تحليل سوات للفرص والتهديدات كما هو في علوم الادارة.
وبناء علي هذه المعايير سابقة الذكر فلا يصح استخدام مصطلح (الاستراتيجية) مع اي موضوع لا تتوافر فيه تلك المعايير سواء علي المستوي العسكري او الاداري او العلمي.
وبناء علي ما تقدم نجد ان هناك خلل كبير في استخدام هذا المصطلح في عالمنا العربي ، له مدلولات غير مرغوبة كالظهور والخداع والتعظيم اذا ما اضفنا كلمة (استراتيجية) لاي حديث بما يوحي به اللفظ من قدرة علي التفكير واهمية الهدف واولويته ورفعة مستوي المتحدث ، وكذا اجبار الطرف الاخر علي الخضوع والاستسلام كون هناك تهديدات لا تحتمل الجدال.
كثيرا ما نستخدم مصطلح استراتيجية في حياتنا العامة وحتي العلمية نقلا عن الغرب دون مراعاة لمدلول هذا المصطلح ورغم ان عندنا في اللغة العربية مصطلحات تؤدي نفس الغرض واقرب للفهم والاستيعاب ،،،،،،،، وهذا الاستخدام الخاطئ لمصطلح (الاستراتيجية) يفقده معناه ومدلوله ، وكذا يخلط بين مجالات الاستخدام الامثل له ،،،،، فعلي سبيل المثال بالنسبة للشأن التعليمي او التربوي ،عندما تضع وزارة التعليم ( خطة استراتيجية جديدة للتعليم ) تشارك فيها افرع وادارات وتخصصات عديدة ( تعليمية – ابنية – صحة – امن – شؤن اجتماعية) تخرج هذه الخطة بتخصيص مهام لكل ادارة وتخصص، وتبعا لذلك لابد لكل ادارة ان تضع خططها المنفصلة لتحقيق هذه المهام كمستوي تخطيطي تالي ..... وهكذا حتي المستوي التنفيذي (المعلم) الذي تخصص له مهام مباشرة ( لتحقيقها يلزمه اكتساب خبرات تقنية ومهارات خاصة) وليس وضع خطط مشتركة ، وهنا يكون دور وفكر المعلم ليس بالاستراتيجي وانما هو دور و فكر تطبيقي باستخدام طرق ووسائل تقنية مختلفة، له حق الاختيار فيما بينها .
لكن هذا الاختيار (ممنهج) وليس له تهديدات، وليس له اهداف بعيدة المدي فاهداف المواقف التعليمية هي اهداف سلوكية مباشرة، وايضا المعلم لا يقوم بتخصيص مهام لمن هو اقل ، واخيرا فاهداف الدرس او المقرر هي خبرات سلوكية مشاهدة وليست هدف استراتيجي في حد ذاتها ..لان الهدف التعليمي الاستراتيجي الواحد (بناء الذات) ( المشاركة الاجتماعية) (المهارة العلمية الاساسية) يتم تحقيقه بواسطة اكثر من موضوع واكثر من درس واكثر من مادة علمية ، تشترك جميعا وتتعاون لتحقيق هذا الهدف............وعلي هذا اذا تم الصاق مصطلح (استراتيجية) بالطرق والوسائل التعليمية كما هو منتشر في الاوساط العلمية والاكاديمية (نقلا عن الغرب) كا ( استراتيجية التدريس – استراتيجية التعليم – استراتيجية التقويم – استراتيجية المعلم – استراتيجية اعداد تحضير الدرس- استراتيجية التعليم عن بعد – استراتيجية الحوار البناء.......الخ) والنزول بتلك المستويات الي المستوي التقني او التنفيذي (الجندي في الميدان) نكون في هذه الحالة استخدمنا مصطلح اجنبي غربي غير محدد المعني رغم وجود ما يحل محلة ويكون اكثر اثر وتعبير عن المعني المقصود مثل طريقة كذا او منهج كذا او خطة كذ او سياسة كذا او مبادئ كذا. (فلو تخيلنا قائد ميداني يضع هدف استراتيجي في يد جندي او حتي مجموعة من الضباط لتحقيقة فتلك كارثة عسكرية)
وعلي ما يبدوا انه في الغرب كما هو عندنا ،هناك ما يطلق عليهم علماء وخبراء ومثقفون وهناك ما هم من نوع الارزقية ، الذين يضيفون الي كتاباتهم رونق وبريق دعائي وتسويقي باستخدامهم للالفاظ والمصطلحات الغير متداوله او ذات القيم الحسية واللفظية الكبيرة والتي تشد المستهلك السوقي وتزيد من المبيعات ،،،، ويبدوا انه للاسف ايضا اعتدنا في العالم العربي علي استيراد كل ما هو اجنبي واستخدامه علي انه قانون لا يجوز نقده او مخالفته ،،،، وبالتالي استوردنا هذا المفهوم الخاطئ لمصطلح استراتيجية كما هو ،،،،،،كما يبدوا ايضا ان علماؤنا في الادارة والعلوم الاجتماعية والانسانية احبوا ،الرنين الصوتي لمصطلح (استراتيجية) حتي ادخلوها علي اغلب معالجاتهم للموضوعات المختلفة،،،، حتي اصبحنا اليوم نسمع استخدامه حتي داخل الاسرة في المنزل فيما يسمي ب (استراتيجية الزواج السعيد) و( استراتيجية رقابة الابناء) الخ.
بالطبع ليس هناك خطاء او ما يمنع من تطور معني الكلمة بمرور الزمن ، وحتي بدون تطور لمعني الكلمة ليس هناك ما يمنع من استخدامها في ابسط معناها وهو (خطة - اسلوب) كلغة عامية.
الا اننا عندما نقحم هذا المصطلح في المجالات العلمية وخاصة التعليم والتدريس يجب ان نراعي تداعيات هذا الاستخدام وتبعاته فعلي سبيل المثال :
اننا نحير ونربك (المعلمين – المدرسين) عند تأهيلهم لممارسة وظائفهم وادوارهم بمحاولة ادراج مصطلح استراتيجية في اغلب الموضوعات المقدمة لهم، دون داعي لذلك (طبعا من وجهة نظري)، كما وان تداعيات هذا الاستخدام ونقده ينبع من عدم قدرة (المعلمين – المدرسين – المتلقيين ) من اعادة ترتيب وتصنيف الذاكرة واستخدام عقولهم ومنطقهم ، الاستخدام الامثل لاكتساب الخبرات الجديدة او حتي تأكيدها كما هو مطلوب من دورات الاعداد او التأهيل.
استشهد في هذا الصدد بموضوع للدكتور /عثمان ايت مهدي بموقع منهل الثقافة التربوي ، وبعنوان ( الذاكرة او السر المحفوظ) علي الرابط التالي
http://www.manhal.net/articles.php?action=show&id=3351

فيجب ان نتذكر ان العقل البشري يقوم بتخزين خبراته الجديدة بالذاكرة بشكل مترابط مع الخبرات السابقة ، في تسلسل شبكيومنطقي ، يكون اكثر وضوح، كلما كانت الخبرة الجديدة بسيط وذات مدلول مدرك من قبل، ومتعارف عليها ومباشرة الارتباط بخبرة اخري، او معلومات وبيانات اخري مخزنة بالذاكرة،،،،، وفي حالة ما اذا استخدمنا الشرح والتدريب علي موضوعات ما، وقدمناه بالفاظ غير ذات مدلول مدرك ،،،، تكون النتيجة الطبيعية ان تفتح الذاكرة صفحة جديدة منفصلة لهذا اللفظ الجديد ،،حتي يدخل حيز الادراك والربط بخبرات سابقة،،، وبذلك يقوم العقل بفصل وتوزع متن الموضوع علي الذاكرة في اماكن متفرقة،،، قد تكون عشوائية في حالة ضيق الوقت ، وقد يصعب استدعاءه مرة اخري ، كما وان استدعاء تلك الخبرة مرة اخري يستلزم مجهود اكبر من الطبيعي او المعتاد عليه ويحتاج منطق واعمال عقلي يختلف من فرد الي اخر، وقد يؤدي الي الارتباك والتخيط وفصل الخبرة الجديدة كليا عن ما يماثلها من خبرات سابقة ، (خبرات سابقة كان يجب ان ترتبط بالخبرة الجديدة برابط مباشر لتقويته، كما هو مستهدف من التدريب) .
فاذا كان المعلم معتاد علي مصطلح طريقة ومنهج وخطة وادارة وبرنامج واسلوب ونموذج ......فلماذا نستخدم مصطلح استراتيجية علي مستوي المعلم (مستوي تنفيذي تقني) ؟
واذا كان للمعلم استراتيجية للتعليم وليس اسلوب للتعليم او طريقة للتعليم ، فما هو مسمي مستوي مدير الادارة التعليمية وما هو مستوي تخطيط الوزارة ؟ الوزارة لها رؤية ورسالة وتحاليل لنقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات ,فهل يقوم المعلم او مدير المدرسة او المشرف بمثل تلك المهام؟

اخيرا:
الجديربالذكر ان مصطلح الاستراتيجية يشمل كل ما دونه من مستويات ومسؤل عنها بل ويجب اعتبار ان كل تقنية بسيطة في النظام الاداري ما هي الا وسيلة واداة لتحقيق الخطة الاستراتيجية الا انها تابعة يمكن تجاوزها وليست مستقلة ، قد تتغير وتتبدل الوسيلة الا ان الخطة الاستراتيجية واهدافها ثابته.
لا اعترض علي استخدام مثل تلك المصطلحات في غير اماكنها او حتي اختراع مصطلحات جديدة طالما لها فائدة وعائد ومدلول يسهل التعامل معه من خلال الذاكرة العربية ،التي لم تعد تستوعب عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة البسيطة واعتمدت استراتيجية التسهيل باستخدام الالة الحاسبة ابتداء من المرحلة الابتدائية .
ارجو ان اكون قد وفقت في طرح نقدي المتواضع لظاهر التوسع في استخدام مصطلح الاستراتيجية والذي اراه من وجهة نظري الفردية غير مبرر وان كان غير مخل فهو كما يقال علم لاينفع وجهل لايضر.
فان اصبت فبتوفيق من الله تعالي وان اخطأت فما هي الا خواطر واراء لن تضر ان لم تنفع.
وفقنا الله جميعا لما يحب ويرضي

ليست هناك تعليقات: