السبت، نوفمبر 28، 2015

رؤية لبناء "نموذج اداري مجتمعي" للاسترشاد به في ادارة المجتمعات والعلاقات والهياكل الادارية وتحديد الاهداف الاستراتيجية , وكذا يعتبر معيار لمحاسبة "الحكام" عن قراراتهم واختيارتهم.

بسم الله الرحمن الرحيم
المدينة الفاضلة
"النموذج الاداري المجتمعي الاسترشادي"
بقلم / اسامه قراعه
المقدمة:
لكل رؤية مشكلة تبحث عن حلها, ومشكلة هذه الرؤية هي "فساد النظام الاداري للمجتمعات" و"الظواهر الاجتماعية" التي تنتج عنه.
وفساد النظام الاداري له اشكال متعددة واسباب كثيرة, تختلف من مجتمع لاخر ولكنها تشترك في ظاهرة تمتع المدير او الحاكم او مجموعة مديرين او فئة ما دون غيرهم, بامتلاك اعلي سلطات وادوات تمكنهم من تحديد وتعديل وتغيير هيكل واستراتيجية وسياسات واهداف "منظومة ادارة الدولة" بحسب مصلحة خاصة, دون رقيب ولا حسيب عادل, تلك السلطة التي تستبدل عدالة المعايير العلمية بتحيز وجهل الاراء الشخصية, فتتخذ قرارات عشوائية غير علمية تفرض علي المجتمع اوضاع "تجريبية" فيما لا يجوز تجريبه, وتحمل في طياتها الكثير من المخاطر والخسائر في البعد الغير منظور (الاستراتيجي) وان اظهرت بعض النجاح الدعائي في بدء التجريب, وتنتهي في بعدها الاستراتيجي (بعيد المدي) وعمق التجربة بصراع بين الطبقة الحاكمة وعامة المجتمع او بين طوائف وطبقات وفئات المجتمع المختلفة, مطالبة بالتغيير وانهاء التجربة الفاشلة.
ان التعديل العشوائي "لمنظومة ادارة الدولة" التي يحدثها اي مدير او رئيس او حاكم ويسوق له المنتفعين مبررات ظاهرها حق وباطنها باطل بالشك والتغييب بغير معايير علمية لتحقيق اهداف ومصالح خاصة علي حساب المصلحة العامة لوحدة المجتمع, مثل هذا التعديل يفسد ويخل بناء المنظومة الادارية وتكاملها وان كانت صحيحة في وقت ما, ويؤدي الي ضياع بعض حقوق الافراد سواء بجهل او بعلم, فينشأ "الصراع الطبقي" بين فاقد الحق والمنتفع به, وينتج ظواهر اجتماعية" سلبية متنوعة ومتعددة تدفع المجتمعات بغير وعي من الحاكم او المحكوم الي مرحلة الضعف والهبوط من "دورة حياتها".
ومن البديهيات ان ضياع الحق لا يحدث الا بعد نجاح العشوائية والفساد في خداع منظومة العدل, او تمكنهم من افساد نظام العدل والقضاء, واذا فسدت منظومة العدل والقضاء في اي مجتمع فسد وانهار ذاتيا.
ومن البديهي ان خلل وفساد "منظومة ادارة الدولة" يقابله تلقائيا خلل في الهوية الثقافية للمجتمع علي المدي المتوسط وتستبدل بهوية جديدة عشوائية علي المدي الطويل, هوية لم يستهدفها المجتمع ولا الحكومة وشكلتها "الظواهر الاجتماعية" التي صنعها خلل "المنظومة الادارية" بتغييب مكون "الرقابة والتقويم" فيها او فشلها في اداء مهمتها العلمية.
المنظومة الادارية العلمية الصحيحة هي "منظومة مفتوحة" وليست مغلقة, تتضمن وظيفة اساسية  ومكون رئيسي يسمي "الرقابة والتقويم" او "الضبط والتكيف", وهو المكون الرئيسي الذي يتصدي لاي خلل او تجاوز, متعمد او جاهل, ويمنع مروره وتفعيله ويضعه تحت المراقبة في العلن, ويكتشف الاخطاء ويصححها, ويري المبادئ والمعايير العلمية, ويبحث دائما عن تطوير "المنظومة" للافضل, وبالتالي فافساد اي منظومة  ادارية  لتمرير اي خلل ولو بسيط يحقق مصلحة خاصة دون العامة, يتطلب السيطرة علي هذا المكون (الرقبة والتقويم) وتحييده وتعطيله, ومن ثم يأخذ الخلل او التجاوز الاداري الذي يظنه صانعه بسيط, مكانه, ويحقق اهدافه بنجاح, ويغفل صانع الخلل والتجاوز ان تعطيل مكون "الرقابة والتقويم" قد احدث ثغرة امنية قاتلة ودائمة في "المنظومة الادارية" بعد تقنينه, وهذه الثغرة الامنية سمحت لجمهور كبير من الانتهازيين بانجاح بتمرير تجاوزاتهم ومخالفتهم في غفلة من "الرقابة" مدعومين باللوائح والقوانين المستحدثة في التعديل العشوائي.
بخلل او فساد "منظومة ادارة الدولة" تنشأ الصراعات الداخلية الاجتماعية بمسمياتها المختلفه ومبرراتها الهامشية الشكلية الظاهرة, الا ان سببها الاساسي دائما, هو فقد ثقة "المواطن" في صدق  وكفاءة "منظومة الحكم والادارة" (عدل – امن – تعليم), فيلجأ عشوائيا الي حماية ما يظنه حق ذاتيا وخارج اطارة "المنظومة, ويظهر الصراع في شكل حقد فقير ضد غني او ابيض ضد اسود او دين ضد اخر في الحالات الفردية, وغضب  طبقة ضد "نظام" في حالته العامة, لا ان هذا الشكل الظاهري ما هو الا نتيجة وعارض لمرض وفساد الادارة والحكم.
لا الصراع الطبقي ولا القبلي ولا الفئوي ولا العقائدي,  ينشأ بدافع الحقد والحسد والطمع من طبقة فقيرة او ضعيفة ضد طبقة غنية او قوية, كما يسوق او يعتقد البعض, ولكنه ينشأ في اي مجتمع بسبب وجود حزمة من الاليات والقوانين اضاعت حق الفقير والضعيف (المهمش) لتصنع  طبقة من الاغنياء الاقوياء (التابعين), والتبعية هنا ليست مقصورة علي التبعية للحكام, ولكنها تمتد الي تبعية المنتفعين للاليات والقوانين الادارية الفاسدة التي سمحت لهم بالعلو بغير حق فوق نظيرهم من الطبقة المهمشة او المنافسين, حتي وان كان هؤلاء الاتباع معارضين للنظام وللحاكم.
لا شك عندي ان "المنظومة الادارية المجتمعية العلمية", هي المفتاح والعصا السحرية, لاصلاح المجتمعات وتطورها وبقائها او ضعفها وانهيارها وايفولها, وهي السبب الرئيسي في ايجاد مجتمعات متقدمة واخري متخلفة, بل وهي المسؤل الاول عن ثقافات الشعوب وسلوكهم وعيوبهم وتميزهم, فالعقل والقدرات الانسانية موجودة ومتاحة في كل البشر في اي مكان علي الارض, ولا تختلف من جنس او عرق او دين لاخر, ولا يوجد شعب ذكي واخر غبي, ولا شعب نشيط واخر كسول, ولا شعب عدواني واخر مسالم, ولكن يوجد مجتمعات اكتساب خبرات سلوكية مميزة عن طريق ادارة علمية مجتمعية, واخرى دفعت لاكتساب خبرات سلوكية فاسدة بواسطة ادارة مجتمعية عشوائية, فبحسب ظروف النشأة في "بيئة اجتماعية ما", تحدد خصائصها وتضبط سلوكها "منظومة ادارية مجتمعية ما" تتشكل الثقافات والحضارات والسلوك المجتمعي.
كل مشاكل المجتمعات الحديثة الداخلية وبالتبعية الخارجية, تنحصر في مفهوم واحد وهو "الظاهرة الاجتماعية", فالارهاب والفقر والتخلف والتعصب والاهمال والفساد والقهر والظلم والعدوانية...الخ, ما هي الا "ظواهر اجتماعية" معروفة الاسباب ومتوقعة في اي مجتمع, سواء كان متخلف او متقدم اوغني او فقير او قوي او ضعيف, وتفشل الادارة الحكومية في علاجها في الوقت المناسب.
وللاسف عندما تتحول الظواهر الاجتماعية الي "مرض اجتماعي", تتبدل التركيبة والخصائص الاصلية للمجتمع, ولا تفلح الادارة التقليدية التي اوجدت الظاهرة ولا قوانينها في علاجها, ولا تصلح معها استراتيجيات "ادارة الازمات التقليدية" مالم يرافقها تغيير "منهج الادارة المجتمعي" الذي اوجد الظاهرة, لثبوت عشوائيته بتحول الظاهرة الي مرض.
يبدوا ان الادارة الاجتماعية ما هي الا ادارة الظواهر الاجتماعية, واذا اردنا الانتقال من منظومة ادارة المجتمع العشوائية الي منظومة ادارة المجتمع العلمية فلا مفر من اعلاء شأن موضوع "الظواهر الاجتماعية" وتفهم كيفية ادارتها وتوجيهها في الاتجاه الذي يحقق مصلحة المجتمع العامة والمتكاملة.
لقد تناول "علم النفس الاجتماعي" موضوع "الظواهر الاجتماعية" بالبحث والدراسة, ومن المتعارف عليه ان"الظاهرة الاجتماعية" لم تنشأ فجأة وقت وقوع الضرر الاجتماعي او مشاهدته او الشكوي منه, ولكنها بدأت في التواجد والتطور في المجتمع قبل الضرر بمدة زمنية قد تصل الي عقود زمنية, منذ بدء ممارسة اول سلوك للظاهرة  في المجتمع, كمخالفة فردية او "انحراف سلوكي فردي" نجح في ممارسة مخالفته في المجتمع خارج اطار الرقابة, وحقق اهدافه وانتفع بها, ومن ثم اكتسب "خبرة نفعية" من هذه المخالفة الفردية (كحالة شاذة او استثنائية),  ودفعته "غريزة حب التميز" الي  نقل خبرته المستحدثة الي دائرته الاجتماعية القريبة (الاسرة والاصدقاء والجيران), ومن ثم طور كل منهم نفس الخبرة الفاسدة ونقلها الي دائرتهم الخاصة, لاشخاص تشابهت ظروفهم ورغباتهم واهدافهم معه, فاتسعت رقعة ممارسة السلوك المخالف خارج اطار الرقابة وفي غفلة من المجتمع, حتي وصل عدد المخالفين الي نسبة ظاهرة ومؤثرة في المجتمع بضرر او رفض, هذه النسبة في هذه الحالة قادرة علي "الاتحاد" وتكوين رابطة قوية (ولو اقلية) وقادرة علي ممارسة السلوك المخالف والدفاع عنه علنيا بعد ان كانت تمارسه سرا في مراحله الاولي, ولا يملك المجتمع ردعهم او توقيع العقوبة عليهم او تجاهلهم او اقصائهم, الا بالصدام معهم والتجاوز القانوني ضدهم وربما القهر(كاعداء), صدام قد يراق فيه الدماء, للاسف لقد تحولت "المخالفة الفردية" عبر الزمن الي "ظاهرة اجتماعية" معقدة لا تنطبق عليها قوانين الردع الفردي القانوني التقليدي الامن.
ان السبب الرئيسي لتحول "المخالفة الفردية" الي "ظاهرة اجتماعية" تضر بالمجتمع وقادرة علي فرض ارادتها عليه وتعديل هويته, هو فشل "منظومة الادارة المجتمعية" لمدة طويلة في اكتشاف وعلاج المخالفة الفردية الاولي, سواء عمدا  (فساد) او بغير قصد (جهل), وبالتالي فمشكلة "الظواهر الاجتماعية" التي تؤدي الي كوارث اعقد من الكوارث الطبيعية, هي مشكلة "علم  ادارة مجتمع", ولا يخرج سببها عن الفاسد او الجاهل.
من قديم الازل يعتبر "الامن" و "العدل" و "التعليم", من الاحتياجات الاساسية لحياة  وبقاء المجتمعات قوية وموحدة, ولذا فقد اهتمت بهم العلوم الانسانية الحديثة, ودرست واستخلصت لنا  معايير ونماذج ومناهج وفروع علمية خاصة تبحث في مشاكلهم وتضبط ادائهم, ولذا  فاعتقدهم (الامن – العدل – التعليم) المفاتيح السحرية والسرية لاصلاح او افساد المجتمعات مهما كانت خصائصها و مستواها الاقتصادي, وهم في نفس الوقت "مقايس جودة" الادارة المجتمعية, وهم اعلي اهداف اجتماعية ومجتمعية يجب علي اي ادارة مجتمعية علمية ان تحرص علي نقائهم وحمايتهم من الخلل والفساد بضمان معايرهم العلمية الصحيحة.
تلك هي مشكلتي التي اعتبرها بحثية واعتقدها منطقية.
خلل "النظم الادارية للدول" سواء بتعمد فساد للانتفاع, او بجهل الحكام والمديرين, او حتي تحت ضغط خارجي ومؤامرة, يؤدي الي الغرق في بحر من الظواهر الاجتماعية العشوائية (صراع الداخلي, وضعف, وتخلف ,وضياع الجهود وامكانيات, و ضعف الوحدة والتكامل والانتماء والمواطنة المنشودة), والتي يمكن تمثيلها بالمرض السرطاني الخبيث الذي لا يظهر للسطح ويستشعره المجتمع الا بعد اكتمال نموه وبدء طور الفتك به, وهنا قد يستلزمه بتر جزء من الجسد الاجتماعي او انفصاله,  ولا يعود المجتمع لما كان عليه, ليكون هذا الخلل (الذي قد يكون مقصود وممنهج) اشد خطورة  علي المجتمع من عدوه الخارجي.
ولو تفكرنا قليلا بشيئ من التجرد لوجدنا ان ملخص مظاهر الصراع بين "الحكومة" و"المجتمع" دائما, هي اتهام كل منهم للاخر بالفساد او الجهل والتعدي علي الحق, ليسقط كل منهم مسؤليته عن الخلل والفشل ويعلقها علي شماعة الاخر, وكل منهم ينكر حق الاخر ودوره, دون وجود "معيار علمي" او "نموذج معياري" للاسترشاد به في حكم الاختلاف وتبيان الحق والوقوف علي موطن الخلل لاصلاحه, فكل فريق يريد ان يسترشد بنموذجه الخاص الذي يراه ويعتقده احق من الاخر, والبعض بطبيعة الحال ينكر وجود معيار او نموذج يمكن الاسترشاد به ويفضل التعامل مع الظواهر والمشاكل بصورة منفصلة عن تكاملها وفق لنظرية الترقيع ليحافظ علي مكاسبه من ظواهر اخري ستظهر في حالة الدراسة العلمية المتكاملة.
ولما كانت المجتمعات في العصر الحديث, تملك حق مشاركة انظمة الحكم والادارة, في تصميم وتحديد ورقابة منظومتها الادارية, الا انها لا تجد "مقياس معياري" او "نموذج اداري استرشادي" يمكن من خلاله الحكم علي جودة الادارة وتصحيحها, كان حل المشكلة من وجهة نظري
 مبدئيا: هو "التعليم" (الذي دائما ما تهمله الانظمة المختلة, وترفض اتباع "نموذجه الصحيح", لتعلق علي شماعته مبررات الجهل) و (الذي لا يتوقع نجاح اصلاحه من خلال منظومة عشوائية, كتجربة عشوائية ضمن تجارب متعددة غير مضمونة النتائج).
واساسيا: ايجاد "نموذج اداري مجتمعي" مجرد, معتمدا في بنائه علي علوم "الادارة" و "علم النفس والسلوك", لتحديد شروط ومعايير ومبادئ ومقاييس كل "مكون" من مكونات  اي "منظومة ادارية", مرتبطة ب "ادارة المجتمع", وتحديد علاقة هذه المكونات بعضها ببعض.
وبالتالي فهذه الرؤية تستهدف ايجاد "نموذج ادارة مجتمعي علمي ومعياري" يمكن من خلاله اكتشاف مقدار ومواطن انحراف النظم الادارية عن الحقيقة العلمية المجردة, ومن ثم توقع سلوك المجتمع وقراراته والتنبوء بظواهره الاجتماعية المستقبلية بناء علي اعتراف الادارة المجتمعية بهذا الخلل والانحراف واسلوب علاجها العلمي له , ولتوضيح الرؤية وبدء الاعداد لبناء النموذج نطرح السؤال التالي:
هل هناك نموذج اداري علمي امثل للمجتمعات, يمكن الاسترشاد به  للحكم علي  اي "منظومة حكومية متكاملة" (هيكلها ولوائحها وقرارتها) اذا كانت علي حق او باطل في قراراتها واهدافها المعلنة؟ بحيث لا يملك خبراء الحكومات انكاره او تحريفه او الاعتراض علي اسسه ومبادئه وقوانينه, وبالتالي تستلزم مخالفته تقديم مبررات علمية متكاملة لتأييد المخالفة والاستثناء.
والسؤال يقودنا الي سؤال اخر, ما هي هذه الاسس والمبادئ والقوانين العلمية, التي يمكن للمجتمع ان يتحصن بهم ضد تضليل فساد النظم الادارية, ويحاسب المسؤلين علي مخالفتها؟ (يجب ان نلاحظ ان "النموذج الافتراضي" المقصود في هذه الرؤية  يختلف عن "الدستور" لانه "علمي" و "مجرد", ولم يوضع تحت ضغط الظروف المكانية والزمنية, بينما الدستور حدده مبدأ الشوري, والرغبة الجماهيرية, والتي يمكن ان تتفق علي باطل تحت تأثير الضغط والخداع الاعلامي).
في حقيقة الامر لا اعتقد وجود مثل هذا النموذج, ولا حتي في الدول المتقدمة الاكثر نجاح واستقرار, والتي بالتأكيد لا يمكن استيراد "تجربتهم" وتطبيقها في دولة اخري وتوقع نفس النتائج, ولكن بالتأكيد في هذا العصر المتقدم علميا وتكنولوجيا, توجد "اسس" و "قواعد" و "مبادئ" و"قوانين" و "علوم", يمكن استغلالها وتنظيمها لتكوين "نموذج اداري اجتماعي امثل مجرد ومتكامل ومنطقي" للاسترشاد به (علوم تنتظر من يبحث عنها وبداخلها, ويصنفها و وينظمها ويستخدمها) وهذا ما سنحاوله في هذه الرؤية.
هل يمكن تصميم "نموذج اداري مجتمعي" مثالي مجرد ومتكامل صالح لاي مجتمع؟
 اعتقد نعم, علي الاقل سيكون نموذج استرشادي لكشف اخطاء الادارة الاساسية والحرجة لاي مجتمع سواء كان "دولة" او "مؤسسة", ويمكن استخدمه لقياس "الجودة".
قد تثير هذه الرؤية الكثير من الخلاف والاختلاف والنقد والاعتراض , وسيدعي البعض باستحالة وجود مثل هذا "النموذج" للاختلاف  الكبير بين الشعوب والثقافات والاهداف والمصالح والتحديات والعدائيات والعقائد...الخ من المبررات والادعاءات, التي اعتقدها تستهدف بقاء الاوضاع كما هي عليه, لصالح طبقة المنتفعين من الخلل الاداري, وخوفا من نتائج مثل هذا النموذج والتي يمكن ان تهدد بقاء "الانظمة السيادية" المنتفعة من الصراعات والحروب والفقر والتخلف (بهياكلها الادارية واستراتيجياتها البيروقراطية ومعايرها المزاجية).
وقد يثير مثل هذا التساؤل المشروع, الكثير من الاتهامات العقائدية, بانه محاولة للتعدي علي المنهج السماوي الذي يمكن اعتباره منهج اداري يتضمن مبادئ لكل شيئ ولكل خلاف, والذي ان طبق كان صالح لكل زمان ومكان وعالج كل الاخطْاء الادارية ومشاكلها,  الا اننا لا نريد اتباع المنهج الديني, او بانها دعوة ورؤية للعلمانية والمادية وتحكيم "القوانين الوضعية" وما الي ذلك من الادعاءات الرافضة لتحكيم العقل والعلم الذي امرنا المولي عز وجل به.
لا اختلف مع مخاوف اي من الفريقين, والذي قد يستهدفها البعض بالفعل, ولكن الفرق بين ما هو حق وباطل يكمن في عدم مخالفته "المنهج العلمي" و "الحقائق العلمية" او التحايل عليها, وتحري "الحق والحقيقة" والممكن والمتاح, والحقيقة العلمية  بطبيعتها لا تخالف الحق ولا المنهج السماوي, والحديث في هذه الرؤية لن يلجأ, لافتراض حقائق علمية كذبا علي انها حق او حقيقية غير قابلة للنقد او الخطأ,ولا الي  تقنين "الافتراضات" ولا "الرؤية الشخصية", ولكنه سيستخدم "القوانين العلمية" التي هي مؤيدة للرؤية ولا يمكن ان تتعارض او تختلف مع "المنهج السماوي", ولنتفق علي ان تحري العلم في اي موضوع  هو دعوة ربانية في كل الاديان.
وللفريق الاول فايجاد "نموذج اداري استرشادي",  لا يتعارض مع "الاختلاف الثقافي" بين المجتمعات ولا يمنعه, ولكنها سيحاول منع "التضليل الثقافي" ومخالفة "القوانين الطبيعية" واستغلال جهل الشعوب بعد تجهيلهم, والذي تمارسه بعض الانظمة الانتفاعية لادارة مجتمعاتهم, فبالتركيز علي "القوانين والمبادئ العلمية" التي اتفقت عليها كل العلوم في كل العالم, ولا يملك خبراء الانظمة رفاهية الادعاء بعدم صحته او مخالفتها المتعمدة, وان وجد نقد علمي فمرحبا به ليكون اضافة للنموذج الافتراضي.
للاسف في عالمنا العربي ,غالبا تكون مثل هذه الموضوعات ثقيلة للبعض ومملة, لانها ربما تعتبر "تخصصية" تحتاج الي خبرة مشتركة بين العلوم الادارية والعلوم الاجتماعية, وتحتاج لتركيز وصبر زائد للفهم وادراك  تكامل الموضوع.
ولان احد اهداف الرؤية هو توسيع دائرة فهم الموضوع, وتعدي مرحلة "التخصص", واستقطاب "عموم الناس" للمشاركة الواعية, لذلك سنبدا بتقديم "المعارف" و"القوانين" و "العلوم" الاساسية التي اظنها مرتبطة بموضوع "ادارة المجتمع", واعادة  التذكرة بتعريف بعض المصطلحات المستخدمة في هذا الموضوع, لتتكون لدي القارئ خلفية اتمني ان تكون شبه علمية,  تساعده علي ادراك  المكونات الاساسية لادارة اي منظومة اجتماعية, وعلاقتها الصحيحة ببعضها البعض, وحتي يمكن للقارئ التجاوب وادراك ومناقشة تصميم "نموذج اداري اجتماعي" سواء مثالي او غير ذلك.
 
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
توكلنا علي الله
 
لو افترضنا اننا نتحدث عن علم جديد اسمه (علم الادارة المجتمعية) سوف نجد  ثلاثة اسئلة اساسية للبدء:
ما هو "العلم" ؟ ما هي "الادارة"؟ ما هو "المجتمع"؟,  والاجابة عليهم ستفيدنا في تحديد حدود المناقشة باطار "علمي" بعد تعريف ما هو العلم, وبالتالي يمكن ان نستبعد ما هو رؤية شخصية او نظرية لم يثبت صحتها مع اخذها في الاعتبار, ومن ثم تحديد موضوعات العلوم الاساسية التي سنسترشد بقوانينها لبناء نموذجنا المنشود, والتي اعتقدها "علم الادارة" بما يقدمه لنا من مكونات (اساسيات الادارة ومبادئها ووظائفها وهيكلها واستراتيجيتها وعلوم ادارة الازمات واسس اتخاذ القرار و مفهوم "المنظومة" وخصائصها), و "علم النفس" الذي يتفرع منه  ("السلوك الفردي والاجتماعي" و "علم النفس الاجتماعي"  و"الظواهر الاجتماعية" و "مكونات المجتمع الاساسية" و"الادوار الاجتماعية" و "علم النفس التعليمي") وسنخص التعليم  بمساحة خاصة لانه مكون رئيسي من مكونات اي مجتمع يبحث عن "المثالية".
وبالتالي تكون الموضوعات التي ستتناولها هذه الرؤية بالتذكرة والعرض كالاتي:
1-   ما هو "العلم" و"القانون العلمي" و "النظرية" و "الحقيقة"؟ وما الفرق بينهم وبين "منهج البحث العلمي"؟
2-   ما هي القاعدة العامة؟ وما هو حكم الشاذ عن القاعدة العامة؟ ومتي يبني عليه حكم؟
3-   هل الدين علم؟
4-   ما هو منهج البحث العلمي وما هي وظيفته ومعاييره؟
5-   ما هو "المنهج العلمي"؟ وهل يتعارض او يختلف "المنهج العلمي" من علم الي اخر؟, رغم ان "العلم" ينشأ علي "حقيقة ثابتة"
6-   ما هو مفهوم واليات "الشوري" و "الديموقراطية" و "استقصاء الراي العلمي"؟
7-   ما هو [تصنيف العلوم]؟ وما هي اهمية ضبط [تصنيف الفروع العلمية]؟
8-   ما هي {المنظومة}  وما هي خصائصها وما هي انواعها ؟
9-   ما هي "الادارة"؟ وما هي مكوناتها ووظائفها الاساسية؟ هل الادارة "منظومة"خاضعة لقوانينها وخصائصها؟
10-  ما هو مفهوم {التنظيم الاداري}؟ وما هي معايير "الهيكل التنظيمي"؟
11- ما هي "دورة حياة التنظيم"؟ و ما هي التحديات المتوقعة لاي "تنظيم"؟
12- امن وسلامة التنظيم.
13- هل "المجتمعات" خاضعة لقوانين ونظريات {التنظيم والادارة}؟
14-  ما هي الاهداف بعيدة المدي والمتوسطة والقريبة؟ و ما هي "الخطط" و"الاستراتيجية" ؟
15- العلاقة بين ( المجهود – الوقت – التكلفة ) واثرهم علي تحقيق الاهداف.
16- مفهوم المجتمع
17- مفهوم السلوك الفردي
18- مفهوم التعلم الذي تتكون به الخبرات الشخصية.
19- مفهوم الخبرة السلوكية ووكيفية تكوين القيم والمبادئ والعقائد
20- مفهوم الشخصية الفردية والاجتماعية....والسلوك الفردي والمجتمعي؟
21- مفهوم الدوافع – الدافعية  والتحفيز والاثارة والاستجابة.
22- نظرية القدرة والرغبة والاستعداد وعلاقتهم بالنجاح في ممارسة الادوار الاجتماعية
23- مفهوم الادوار الاجتماعية واهمية التوقع الصحيح للادوار وتعلمها واختبارها وضبطها
24- مفهوم التنشئة الاجتماعية
25- مفهوم التعليم – التعلم
26- الفرق بين الاهداف الفردية الاهداف الاجتماعية
27- مفهوم السلوك الاجتماعي
28- الانحراف السلوكي
29- الظواهر الاجتماعية
30- تصنيف الادوار المجتمعية الاساسية (ولي امر – اولي علم – عامة)
31- ما هو مفهوم "المسؤلية الاجتماعية"؟ وما هو مفهوم "التمكين" ؟ كمصطلحات حديثة.
32- ما الفرق بين التعليم و التعلم؟
33- ما هو مفهوم "منظومة التعليم/ التعلم"؟
ا.     مفهوم المنهج التعليمي (اهداف - محتوي - طرق ووسائل تعليم - تقييم "اختبارات" وتقويم - ادارة)
ب.     مفهوم المدرسة (اهدافها – رؤيتها – ادارتها)
ج.     دور الانشطة التعليمية في تحقيق الاهداف الاجتماعية التعليمية
د.     تكامل المحتوي التعليمي
ه.     الاستثمار في راس المال الفكري والابتكار
و.       دور وسائل الضبط والسيطرة الاجتماعية في تصحيح العلاقة بين الفرد والمجتمع والطالب والمؤسسة.
34- ما هي الركائز الاساسية لاي  منظومة اجتماعية؟ (منظومة الامن – منظومة العدل – منظومة التعليم)
35- ما هو مفهوم "العدالة الاجتماعية"؟
بتذكر واستيعاب الموضوعات السابقة, يتوفر لدينا خفلية شبه علمية عن مفهوم "المجتمع", بما يتضمنه من اختلافات طبيعية بين سلوك الافراد واهدافهم ورغباتهم الخاصة, التي يمكن ان تتعارض مع بعضها, ويمكن ان تتعارض مع "القوانين الاجتماعية" التي وافقوا عليها في وقت وظرف سابق, واصبح لدينا تصور لكيفية السيطرة علي "السلوك الشخصي" وضبطه في اطار اجتماعي, وكيفية تكوينه واكتساب خبراته, وكيف تتطور الدافعية للمخالفة و الشذوذ عن القاعدة العامة الي "ظاهرة اجتماعية", تدفع المجتمع الي "الصراع الداخلي", الذي لا ينتج عنه في كل الاحوال الا "التدمير الذاتي" والاقتراب من مرحلة الهبوط علي منحني دورة حياة المجتمع, والتي يطول نارها الجميع حاكم ومحكوم غني وفقير.
ومن المتوقع ان نكون ادركنا واستنتجنا مبدئيا, اهمية اعادة النظر في "منظومة الامن" و "العدل" و "التعليم", وتحقيقها لمفهوم (العدالة الاجتماعية), وفق منهج اداري علمي صحيح يستهدفهم, ويضمن اعلي جودة  خدمة وانتاج, باقل وقت وجهد وتكلفة متاحة وفق الامكانيات.
وهنا يكون مدخلنا لتصميم "نموذج اداري اجتماعي", يحقق هدفه القومي الاستراتيجي (الامن والعدل والتعليم), باعلي جودة وباقل وقت ومجهود وتكلفة وفق لامكانيات "ثابتة", متاحة لاي مجتمع, وتفسر لنا معضلة لماذا ينجح البعض ولماذا يفشل البعض في استغلال هذه الامكانيات وتحصرها في "كفاءة ومنهجية الادارة المجتمعية", فمن اتبع النموذج العلمي نجح ومن انحرف عنه فشل بمقدار انحرافه.
ويبقي لدينا استخلاص مبادئ ومنهج بناء "النموذج الاداري المجتمعي الاسترشادي" لكل مكوناته لتكتمل الرؤية باذن الله.
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات: