الأحد، أغسطس 09، 2009

ادارة عموم الزير للدكتور حسين مؤنس

بما انه موقع اجتماعي هدفه الاصلاح الاجتماعي عن طريق التوضيح المباشر والغير مباشر لبعض المفاهيم السلوكية
ورغم انني كنت قررت قصر النشر والموضوعات علي كتاباتي الشخصية ، الا اانني وجدت نفسي مضطر لنشر هذه القصة الرائعة والتي وضحت معني البيروقراطية في ابسط معانيها الاجتماعية الساخرة
انها قصة ادارة عموم الزير لكاتبها الدكتور حسين مؤنس والتي وجدت نفسي معها غير مضطر لشرح او تفسير او توضيح مفاهيم اجتماعية كثيرة خاصة بالفرد وولي الامر واولي العلم .
فالي مجتمع القصة
ولنسئل انفسنا اين الرقابة الاجتماعية واين الوالي واين الشعب في مجتمع القصة :
تم نقل القصة من صحيفة الايام بالرابطة التالية

قراءة في قصة إدارة عموم الزير
«الأيام» متابعات:
الدكتور حسين مؤنس من كبار الأدباء والكتاب العرب في النصف الثاني من القرن العشرين, يمتاز بعمق الرؤية النقدية للواقع المعايش في العالم العربي، له مجموعة كبيرة من الكتب في مختلف المواضيع، وهو كاتب قصة مبدع.وفي عام 1975م نشرت سلسلة كتاب اقرأ المصرية في العدد 406 مجموعة قصص قصيرة مأخوذة من صميم الواقع المعايش، ومن أكثر هذه القصص ملامسة للواقع السيء الذي وصلت إليه أوضاع الناس في مصر والعالم العربي قصة: (إدارة عموم الزير) التي عرض فيها للفساد الإداري والاجتماعي، والآثار الوخيمة التي تترتب على وجود الفساد في أي مجتمع من المجتمعات.تبدأ القصة المأخوذة من التراث المصري كالتالي
ادارة عموم الزير
:«الناس في الولاية لايخاطبون الوالي إلا بـ(سيدنا) وكان يحب هذا الخطاب منهم، لأنه كان يحب الناس والناس تحبه، لأنه يعتقد أن سيد القوم هو خادم البلد وأهلها، وفي إحدى جولاته في مختلف مناطق الولاية، وكان الحر شديدا، وتصب الشمس أشعة من نار تلسع وتزهق الأنفاس، وقف الوالي وحاشيته يستظلون من أشعة الشمس تحت شجرة وارفة الظلال، فاسترعى نظره أن الناس تنحدر في سيل إلى النهر فيشربون الماء، ولاحظ المشقة التي يعانون من أجل أن يشربوا الماء، فنظر إلى أحد وزرائه فقال: أرى الناس يقاسون من العطش ألم تفكر في شيء يخفف عنهم مشقة النزول إلى النهر من أجل شربة ماء؟ فقال الوزير: سيدنا صاحب الأفكار النيرة والموهبة الخارقة يجب أن ننشئ صهريجا أو حوض ماء، لكن سيدنا قال إن خير الأمور أبسطها إذا قررنا إنشاء حوض ماء أو صهريجا مات الناس من العطش قبل أن يتم البناء، الأفضل وضع زير ماء تحت الشجرة، وزير الماء يجب أن يكون بحمالة وغطاء، ونظر الوالي العاقل إلى الحرس وقال ياصابر هذه عشرة دنانير اشتر بها زيرا واغسله واملأه ماء وضعه تحت الشجرة واختر أحد أصحابك ليساعدك في ملء الزير مرة بعد مرة، وأنت أيها الوزير عليك الإشراف على هذا الموضع، لأني أريد الزير أن يكون نظيفا دائما والناس يشربون منه ماء صافيا زلالا. أخد صابر الدنانير وذهب لشأنه وصار الوزير يكيل المديح لسيدنا، والله ما أعطاك الملك إلا لأنك أذكى الناس وأطيبهم وأكرمهم، تم حل أزمة الماء ببساطة وسهولة بواسطة زير بحمالة وغطاء، واسترسل الوزير في كلامه المزوق وسيدنا يعرف أن كله ملق ومداهنة.ومرت الأيام والشهور والأعوام وكان سيدنا الوالي يتحدث مع الوزير في شؤون البلاد فرأى زيرا صغيرا تحت الشجرة فالتفت إلى الوزير وقال: هل تذكر الزير الذي وضعناه تحت الشجرة ليشرب منه الناس، أما كانت فكرة لطيفة، وقال الوزير: لطيفة إنها فكرة عبقرية ياسيدنا لقد طورناها وعدلناها. ماذا؟ قال الوالي: ماذا تعني بتطويركم إياها؟! زير وغطاء وماء وكوز.. ماذا وكيف يمكن أن تتطور هذه؟! قال الوزير: سيدي تعرفون أننا دائما في تطور وتحسن نحن في مقدمة البلاد النامية، وكل شيء لابد أن يساير الزمن، فقال الوالي: وكيف ساير الزير الزمن؟ فأجاب الوزير بعد مدة: وجدنا الإقبال على الزير يزداد واستعذب الناس شرب الماء من الزير ذات مرة كسر الزير، وطلب صابر نقودا لشراء واحد آخر، ولكن رأيت أن الإقبال على شرب الماء من الزير يزداد والناس تتزاحم حوله، فقررت تحويله إلى مرفق عام شعبي، فأنشأنا غرفتين لصابر وزميله ووضعنا أثاثا بسيطا من أجل راحتهما، ووفقا للقواعد المالية تقرر إنشاء جهاز إداري للزير، لأن الدولة صار لها مبنى وأثاث، وعينا رئيس قلم، وكاتبين واحد للعهدة، وواحد للشؤون المالية، فتعجب سيدنا وقال: شؤون مالية، ماذا تقول يارجل؟! زير ماء وغطاء وكوز تصبح شؤونا مالية؟! فقال الوزير: حلمك ياسيدنا، للإدارة أصول وللضبط والربط قواعد والدولة لن تدع مالها وممتلكاتها سائبة، مادام للدولة مبنى لابد من موظفين وإدارة مالية، فاقتضى الأمر أن نفتح اعتمادا ماليا لمأمورية الزير، ووضعنا خزانة للنقود أودعناها سلفة، لأن الزير قد ينكسر، والغطاء يتلف، والكوز يضيع.فقال الوالي: ما شاءالله.. ماشاء الله.. ثم ماذا؟ فقال الوزير: إننا خدمك نسير في عملنا على أحدث الطرق في الإدارة والضبط المالي، لأننا سننتقل من عالم الدول النامية إلى عالم الدول التي تم نموها، قال الوالي: كنت تتكلم عن الإدارة المالية والخزانة والسلفة، نعم ياسيدنا لقد أنشأنا أربع إدارات فرعية إدارة للفخار وإدارة للحديد وإدارة للخشب وإدارة للصفيح، فقال الوالي: والماء ليس له إدارة؟ فقال الوزير: نعم ياسيدنا إنك صاحب الأفكار الذهبية، غدا بإذن الله ننشئ للماء إدارة، ثم ذكر الوزير أنه أمر بإنشاء مبنى بكلفة مائة ألف دينار من أجل إدارة عموم الزير، وقال الوالي: وماهو المبلغ المخصص لإدارة عموم الزير؟ قال الوزير: بالضبط لا أذكر، ولكن حوالي أربعين ألف دينار، لأن إدارة عموم الزير مرفق خدمات، الاعتبار الأول لما يؤديه للأمة من نفع، وفي سبيل النفع يهون أي مبلغ يتكلفه.فقال الوالي: ماذا عن الماء.. الماء.. قال الوزير: من أجل الماء ركبنا طلمبة حديثة لرفع الماء وتنقيته وفق أحدث الأساليب، وأن إدارة عموم الزير على اتصال مع مختلف دوائر الدولة، ومع وزارة الأشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية، فتعجب الوالي وقال: مع وزارة الخارجية، ماعلاقة إدارة عموم الزير مع وزارة الخارجية؟! من أجل المشاركة في المؤتمرات لأن إدارة عموم الزير أصبح لها شهرة عالمية، ومديرها يحضر مؤتمرات في باريس ولندن ونيويورك. قال الوالي: هل يوجد في الدول الأخرى إدارات لعموم الزير؟! قال الوزير: لا ياسيدنا نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة، وراح يشرح كيف سنخرج من عنق الزجاجة وننتقل إلى طابور الأمم التي تم نموها.وفي اليوم التالي قرر الوالي أن يقوم بزيارة إلى إدارة عموم الزير وطلب من الوزير أن يلحق به هناك، وعندما وصل الوالي شاهد مبنى شاهقا فخما مكتوبا عليه بخط أنيق على مدخله، إدارة عموم الزير، وناس داخلين وناس خارجين وسيارات تتحرك وحركة كبيرة متصلة وعرض حالات وأوراق دمغة، فقال الوالي: أحيطوا بالمبنى فلا يدخل ولا يخرج منه أحد وعندما دخل المبنى طلب أن يأخذوه إلى مكتب المدير العام، ولم يجده في مكتبه ولكن وكيل الإدارة استقبله وراح يتدحرج أمامه فصادف رجلا طويل القامة عرف بنفسه أنه مدير إدارة الخشب فشاهد غرفة المدير وسكرتير الإدارة، والمكتب الفني، وغرفة خبير الأخشاب إلى آخره..إلى آخره.. فدخل الوالي إلى أحد المكاتب فشاهد خلية نحل مكاتب.. ومكاتب.. ومكاتب موظفين يقرأون الجرائد، وآنسات يقرأن المجلات الملونة ويثرثرن وفراشين ذاهبين بالقهوة والشاي والساندويتشات وآخرين عائدين بالصواني الفارغات، فشاهد الوالي أكواما من الأوراق عليها أوراق ودفاتر وسجلات، فتناول ورقة وقرأ عليها: كتاب من إدارة الحديد إلى إدارة الخشب، وآخر من إدارة الخشب إلى إدارة الحديد، فوجد أن مضمون الكتاب بشأن طلب الإفادة بتخانة خشب غطاء الزير للاسترشاد به في تحديد تخانة حديد حمالة الزير.وهنا وصل الوزير فقا له الوالي أين المدير العام؟ فقال إنه في بودابست، قال الوالي: كيف عرفت بهذه السرعة؟! فسارع أحد الواقفين وقال: إن المدير العام ابن شقيقة أخت الوزير وصهره، فقال الوزير: والله ياسيدنا ماعينته إلا لأنه المتخصص الوحيد في هذا المجال (يعني من أصحاب الكفاءات العالية) وأخذ الوالي ينتقل من مكتب لمكتب ومن غرفة لغرفة ومن طابق لآخر يتفرج ويتعجب وقال للوزير: الزير أين الزير؟ فقال الوزير: إنه في قاعته الخاصة ياسيدنا في الدور الأرضي، وحاول أحد أزلام الوزير أن يسبق الوالي الذي لاحظ ذلك، فناداه لاتسبقنا لا داعي لذلك، ففي الدور السفلي دخلوا قاعة واسعة متربة يغطي الغبار كل مافيها لها باب يفتح على الطريق من الناحية الخلفية من المبنى، وعلى الباب جلس موظف ينطق مظهره بالتعاسة، أمامه أربع مجموعات من الاستمارات بيضاء وحمراء وصفراء وزرقاء وإلى جانبه سجل ضخم مفتوح والموظف يتحدث مع صاحبه، قال الوالي: هذه قاعة الزير؟ فقال مدير الشؤون العامة: نعم إننا ننشئ الآن قاعة أخرى، قال الوالي: والزير، أين الزير؟ فنظر مدير الشؤون العامة ووكيل الإدارة أحدهما للآخر ثم إلى الوزير، ثم قالا: لاندري كان ينبغي أن يكون هنا، فقال الموظف الجالس إلى جانب الباب: أرسل الزير إلى الورشة الأميرية ياسيدنا، قال الوالي: منذ متى؟ منذ أربعة أشهر أو خمسة.. كان الماء يتسرب منه وجاءت لجنة من الخبراء فقررت نقله إلى الورش الأميرية لإصلاحه. فضرب الوالي كفا بكف، إذن هذا كله ولا زير؟! فقال مدير الشؤون العامة: الزير موجود فقط في الإصلاح، فنظر الوالي فوجد رجلا مسكينا هزيلا ينهض على كرسي غير بعيد من موضع الزير، فقال الوالي: صابرا؟! نعم ياسيدنا أنا صابر لقد كذبوا عليك ياسيدنا، الزير ليس هنا منذ سنتين، فقال الوالي: وأنت مالك شاحب الوجه ضعيفا كما أرى؟ قال صابر: إني لا أتقاضي مرتبا منذ سنتين ونصف ياسيدنا، إنني أموت جوعا.فقال الوالي: سبحان الله.. سبحان الله الوحيد الذي له عمل لا يتقاضى راتبا، وكل هذه الزنابير تتقاضى مرتبات، فالتفت الوالي إلى وكيل الإدارة العامة فقال: لماذا هذا لا يتقاضى راتبا؟ فقال: إن له إشكالا إداريا ماليا إنه ليس معه مؤهل علمي، لذلك لا نستطيع إعطاءه راتبا.فسار الوالي خطوات حتى جلس مهدود الجسم من هول الواقع الذي صدمه، قال: ياصابر تعود إلى قصرنا كما كنت لتتولى أمر الزير، وهذه العشرة دنانير لشراء الزير ووضعه تحت ظل شجرة ليشرب الناس منه الماء، ثم أصدر الوالي حكمه على الوزير بأن يدفع رواتب الموظفين الذين عينهم من ماله الخاص، وإذا نفد ماله فمن مال زوجته وأولاده وأقاربه الذين أكلوا المال العام سحتا في بطونهم». رحم الله الدكتور حسين مؤنس فقد أجاد في تصور الإدارة الفاسدة وما تحمله الدولة من أعباء مالية، ولعل الفاسدين يأخذون عبرة من ذلك ويعودون إلى رشدهم.. إنه الأدب الرفيع الذي يخدم الشعب.

ليست هناك تعليقات: